السبت، 18 ديسمبر 2010

منى أبو زيد : تخليت عن حجابي لأنه قطعة قماش لا علاقة لها بالتديّن




منى أبو زيد صحفيّة تتمرد على الحجاب: قطعة قماش لا علاقة لها بالتديّن ..

نزحت إلى القاهرة محجبة ثم اكتشفت أنه لا يناسب شخصيتها فقررت خلعه
لا أطيق النقاب فهو أشبه بالحديث مع شخص في غرفة مظلمة لا تدري ماذا تقول ملامح وجهه



القاهرة - تركي الدخيل


جاءتني الصحافية المصرية الشابة منى أبو زيد خلال زيارتي قبل أيام للقاهرة، لتجري معي حواراً لجريدة (روزاليوسف)، فوجدتُ نفسي أجري معها حواراً آخر! ليست القصة «شدّ لي واقطع لك» بتاتاً! لكن قصة منى التي جاءت من الريف المصري بحثاً عن الحياة القاهرية التي تكتشف فيها نفسها، فاكتشفت مجتمعاً وصفت تدينه بالظاهري، قصة تستحق الرواية.

خرجت الفتاة من الريف مسلحة بثقة أبويها، وتربيتها، وعقلها الراجح، لتدرس في كلية قاهرية محترمة. ثم حدث ما لم يكن في حسبانها، فالذين كانوا يحترمونها، ويقدرون أخلاقها، ومنهم صاحبة البيت التي استأجرت منها شقة تكون لها سكناً في القاهرة، بدأوا يتحولون في موقفهم من منى، ليس لأنها «دايرة على حل شعرها»، بل لأنها قررت أن تخلع الحجاب، لأنها أحسّت أنه رداء لا يناسبها.
كيف أصبح الحجابُ موقفاً من الناس، يمارس حيال ارتدائه الولاء والبراء، في مجتمع مصر؟ وكيف تعاطت الشابّة مع هذه القضية التي جعلتها بعد أن كانت تبحث عن القصة الصحافية، تصبح هي القصة الصحافية؟ وأشياء أخرى، في هذا الحوار:


• لماذا تحجبتِ يا منى؟!

- لا أعرف لماذا تحجبت، أنا نشأت في أسرة ريفية، والفتاة في ريف مصر عليها أن تتحجب، عيب هناك أن تمشي السيدات بشعرهن، بعكس عواصم المدن، فمدنيتها تسمح بوجود غير محجبات، فجأة كبرت وأهلي حينما حلت السنة الدراسية الأولى في المرحلة الإعدادية، أتوا لي بلبس المدرسة؛ بدلة وشنطة وطرحة.


• كم كان عمرك حينها؟ّ
- تحجبت وأنا في أولى إعدادي (متوسطة) أي وأنا عندي 12 سنة، وسرت كما تسير الفتيات في مجتمعي الريفي.

• ومتى خلعت الحجاب؟!
- خلعت الحجاب منذ عامين، أي وأنا عمري 25 سنة.

• لماذا؟!
- أنا فتاة ريفية، كانت لي تطلعات أن تذهب إلى العاصمة، كنت أشعر أن الريف ليس مكاني، كنت أريد أن أعيش الحياة، الحياة بكل ما تعني من كلمة، أما حياة الريف فروتين قاتل، ذهبت بالفعل إلى القاهرة لدراسة الاقتصاد والعلوم السياسية، وهى من كليات القمة، أهلي ناس بسيطة جدا، والدي سكرتير مدرسة وأمي ربة منزل، لم يشعروني يوما أنهم يخافون من ذهابي للعيش وحدي بالقاهرة، بل كانوا فخورين بابنتهم التي رفعت رأسهم ودخلت كلية القمة.

الفتاة الريفية البسيطة تلك، ذات التطلعات نحو الحياة، بدأ وعيها ينمو، وكذلك إدراكها للحياة ومعرفتها بالناس والعالم من حولها، وزاد الأمر حينما دخلت الحياة العملية، حينما عملت صحافية في جريدة «روزاليوسف»، هناك الحياة بتطبيقها العملي، لكنها كانت تشعر أيضا أن وسط «روزاليوسف» ليس هو الوسط الذي يشبع رغبتها في المعرفة والتجريب، كانت تريد وسطا يساعدها في التوصل لشخصيتها الحقيقية، شخصيتها التي لم تكن تعرف كيف تصل إليها.

تركت الفتاة روزاليوسف، وعملت بجريدة «البديل» اليسارية، وهناك وجدت غرضها، ناس بتقرأ وتروح وتيجي، ناس بسيطة بتاكل على موائد الرحمن، ناس بتعتصم وتتظاهر... وهنا بدأت الفتاة تتعرف على شخصيتها، بدأت تتصالح مع جسدها، مع أهلها، مع العالم من حولها، بدأت تكون رؤيتها الخاصة للعالم وللأشياء من حولها.
فتاة كتلك، أي تلك التي في حالة بحث دائم عن الذات، ورغبة في التطور والنمو، اكتشفت أن مظهرها لا يناسب شخصيتها، شخصيتها المنطلقة، المتحررة، أستاذها قال عنها يوماً «إنتي فاتحة صدرك للدنيا، عايزه تتعلمي كل حاجة»، شعرت هذه الفتاة أنها ترتدي قميصاً واسعاً عليها، لا يليق بها، فقررت أن تخلعه وترتدي ما يناسبها.


- هل كنتِ تعتمدين على فتاوى معينة بخصوص الحجاب؟

هذه الفتاة التي تطورت وتوصلت لشخصيتها، وأصبحت رئيسة قسم، وكتبت رواية فازت بإحدى الجوائز ستصدر لها قريبا في معرض الكتاب، هذه الفتاة حينما كانت تكتشف شخصيتها، كانت تطرح على نفسها تلك الأسئلة الكبرى، وكان منها بالطبع سؤال الدين: وتوصلت إلى الإجابة التي ترتضيها لنفسها، الخلاصة: أنها خلعت الحجاب لأنها مش مرتاحة فيه، شيء لا يناسبها، دون أن تنظر أو تفكر هل هذا حرام، هل هذا حلال، هذه الأمور الشكلية لا تعنيها في الدين، فالدين عندها معاملة، معاملة فقط، كيف تعامل الناس والوطن والعمل......

• ما هي نظرة المجتمع المصري للحجاب؟ هل هي نظرة واحدة؟ أم نظرات مختلفة كلٌ بحسب ثقافته؟

- لم أكن أعرف أن موضوع الحجاب شائك في المجتمع إلى هذه الدرجة، حينما قررت خلعه كنت أتعامل معه على أنه موضوع شخصي، لكني اكتشفت أنه قضية كبرى، أهل المنطقة التي كنت أسكن فيها طلبوا من صاحبة البيت أن تجعلني أرحل، لأني مش محجبة، وصاحبة البيت التي تعلم جيدا سلوكي، جبنت أمام رغبة جيرانها، اضطررت لأن استدين لكي احصل بأسرع وقت على شقة أعيش فيها، وظللت أسدد الدين على مدار شهور.

• كيف كان انعكاس قرارك على بيئة عملك؟!

- في العمل، وجدت من يهنئني ومن يعزيني، وانا مستغربة جدا، وجدت موقع «المصريون» يكتب عني وعن صديقة لي خلعت أيضا الحجاب، ويدعي أننا احتفلنا بخلع الحجاب، وأن رؤسائنا بجريدة «البديل» دفعونا لتركه، ثم وجدت قناة العربية تحدثني لتعرف تعقيبي على الموضوع.

• كيف تعاطى المجتمع مع قضيتك يا منى؟!

- المجتمع قطيع كبير، يخاف أن يشرد منه معزة واحدة، وأنا معزة وشردت عنهم، فكان ردة فعلهم غريبة وعنيفة، تعليقات الناس على موضوع تقرير موقع «المصريون» لا يمكنك أن تتخيلها، تكفير، وشتيمة في العرض والأهل.

• بالمناسبة، كيف كانت ردة فعل أهلك؟!

- الأهل، أنا عايشة لوحدي في القاهرة، التي تبعد عن بلدي 4 ساعات، قبل ما أخلع الحجاب، أقنعت أمي ووافقت وقالت لي «اعملي اللي انتي عايزاه، وربنا يهديكي»، وبعدها عرف أبي وإخوتي، لم يوجه لي أحد منهم كلمة جارحة، فأنا بالنسبة لهم فتاة عاقلة ومجنونة، مختلفة، ناجحة، ومتحققة، وتظهر في التلفزيون.


• لكن ظاهرة الحجاب تجتاح المجتمع وتنتشر فيه بشكل واضح؟!

- صحيح، الآن فيه حالة تحجب وتنقب عامة، لكنه حجاب شكلي، يمكنك أن ترى «طرحة» فوق، ومن تحت كل جسم الفتاة باين، هو تدين شكلي، المجتمع عايز كده، عايز اللي يضحك عليه، يلبسه العمّة، لأن الناس معدتش حابة تستخدم عقولها، العقول اللي بتفكر في مصر بتتراجع.

• كيف تنظرين لهذه الظاهرة؟!

فيه نسبة كبيرة من الفتيات دلوقتي عايزين يقلعوا الحجاب لكنهم خايفين من مواجهة المجتمع وأهلهم، ونسبة كبيرة بتتحجب عشان حاسين إن حجابهم يعني تدينهم، يعني تقربهم من الله، يعني نجاحهم، يعني جوازهم.

صدقني فيه حالة تداعي وفوضى عارمة وفساد في المجتمع المصري، لا يمكنك معها أن تتحدث عن وجود رؤية موحدة ناحية شيء واحد، المجتمع يتهاوى بجد، اقرأ صفحات الحوادث، وما يحدث من الإعلاميين، والمثقفين، ورجال الإعلام، ستعرف ماذا اقصد.

• كيف هي رؤية الفتيات من جيلك لمسألة الحجاب من الناحية الاجتماعية والفقهية؟

- والله أنا لم أعد أعرف فتيات جيلي عايزين إيه، واحدة صاحبتي كانت متحررة جدا، حصل مشاكل وانفصال مع خطيبها، لجأت للشعوذة ورجعت للحجاب تاني، تخيل! رغم أنها كانت تتمنى قبل أن تموت أن تعمل جنس، وواحدة (اللي أسكن معاها الآن) كانت محجبة ومتبرجة جدا في نفس الوقت، تعتني بمكياجها وضيق ملابسها بشكل غريب، حصلت لها مشاكل صحية، لبست واسع وأطلقت إذاعة القرآن في الشقة، أعتقد أن الأمور مختلطة عند الفتيات، فيه فتيات عايزه تنطلق وتخلع الحجاب وتلبس اللي عايزاه، وفتيات بترجع تتحجب تاني، الفتيات مش بتعمل الحاجة عن اقتناع.
الموضوع له أبعاد اجتماعية ودينية في نفس الوقت.

• هل انتشار الحجاب بدافع ديني بنظرك؟ أم اجتماعي؟

- الاثنين، صدقني الاثنين، الناس متلخبطة ومتوترة، وتايهة، لم يعد لدى الناس ثقة في شيء واحد، الحجاب شوية يكون عامل مثل الموضة أو العدوى، وشوية يكون لأسباب دينية، قنوات ودعاة وشيوخ، وإخوان مسلمين، وشوية يكون لأسباب اجتماعية، هو خليط من الثلاثة، لكن في جميع الأحوال، الفتيات أصبحت تسعى لأن تتحجب في مصر، لا صاحبتي اللي اتحجبت اتحلت مشكلتها مع خطيبها، ولا صاحبتي الأخرى اتحلت مشاكلها الصحية، الناس بتضحك على نفسها، معتقدين أن المظهر والحجاب هيشفيهم ويشيل المشاكل من أمامهم.

• هل فعلاً «دخول الحجاب مش زي خروجه» كما يردد بعض المصريين؟

- الحجاب في النهاية قطعة قماش، وينتمي للمظهر الذي قد لا يدل على الجوهر، لكنه في النهاية موقف من الدين ومن الحياة ومن النفس، طبعا دخوله مش زي خروجه، هو بالتأكيد مرتبط بتغير ما حدث للشخصية، من تحجبت تغير فيها شيء، ومن خلعت الحجاب تغير فيها شيء، ومن تحجبت ثم خلعت أيضا حدث فيها شيء، اسمح لي مثل بالضبط لما تكون متعود تلبس الجلباب السعودي، ثم قررت تغييره وتلبس بدلة، هناك شيء تغير فيك، ولا يشترط أن يكون هذا التغيير كبيرا، فهو في النهاية مظهر.

• في محيطك الاجتماعي وبيئتك القريبة؛ هل الحجاب فرض؟ بمعنى أن من تتجاوز العاشرة تتحجب فوراً؟

- نعم، عند كثير من الشرائح الاجتماعية هذا صحيح، بمجرد أن تبدأ الأثداء في البروز، يسعون لتغطية الفتاة حتى لا يرى الناس عورة جسدها.

• هل تتصورين أن جدل الحجاب في مصر إعلامياً وفضائياً أثّر على قرارك بخلع الحجاب؟

- لم يكن لي علاقة بأي جدل، حتى ذلك الذي أثير بسبب تخلصي من الحجاب، أعمل بجد بمنطق «القافلة تسير والكلاب تعوي»، الحمد لله تخلصت من عقدة «كلام الناس»، بالمناسبة، المجتمع المصري أصبح مهووسا بـ«كلام الناس»، أصبح يخشى من القول والفعل عشان «كلام الناس»، الآن الجدل يدور حول أي شيء وكل شيء، اللي فاضي يطلع ويشتغل في الجدل.

• كيف كانت رؤية الناس لك قبل الحجاب ورؤيتهم لكِ بعد خلعه؟

- أريد ان أوضح الأول أن خلع الحجاب عندي تواكب مع تطور وتغير شخصيتي كما أوضحت، فيه ناس أصدقائي «اتخضت»، «فزعت» من الخطوة، لأنهم خافوا أن تكون خطوة في طريق «الانحراف»، أنا فتاة عايشة لوحدها ووسط المثقفين وسط الذي لا يرحم، خافوا أن أبيع نفسي، لكن دلوقت فخورين بي جداً، فقد أصبحت رئيسة قسم وروائية وعملت كمان فيلم قصير عن الحجاب ولي علاقات صداقة عديدة. فيه ناس عاملتني وحش، وفضلوا على كده، وأصبحوا يتعاملوا معايا على إني تغيرت للأسوأ، فقد أصبحت في وجهة نظرهم أكثر ثقة بالنفس وهذا يكرهه الناس جداً، وفيه ناس عاملتني وحش ثم اكتشفت أن جوهر شخصيتي لم يتغير. وفيه ناس بدأت تشوفني حلوة جداً، وجاءتني عروض من أكثر من صديق وصديقة لأن نعمل مشروع تصوير فوتوغرافي. الأول وأنا محجبة مكنش أي حد معاه كاميرا بيقرب مني، دلوقت لو دخلت على الفيس بوك، يصدمك عدد الصور التي يصورونها لي، يقولون لي الآن، أنت جميلة ووشك فرعوني!!! الآن مر عامان على موضوع الحجاب، ولم يعد محل كلام، الناس نسيت، أعتقد أنهم نسوا شكلي بالحجاب، الهوجة تحدث وقت الفعل، بعدها خلاص الأمر بيخلص على مستوى المحيطين بك، ويبدأ على مستوى المجتمع اللي ميعرفكش.

• هل ترين أن الحجاب حرية شخصية؟

- طبعا، طبعا، أنا جاهدت كتير مع نفسي عشان أحدد شكل حريتي الشخصية، وعشان أحافظ على خصوصيتي، اللبس من الخصوصية والحرية الشخصية، كل واحد يلبس اللي عايزه ويعمل اللي عايزه، طالما لا يؤذي أحدا، أستغرب على أحكام الدين التي تحرم بعض السلوكيات، رغم أنها لا تؤذي أحداً، عايز تشرب خمرة اشرب، إنت حر، لأنك لا تؤذيني، عايز تعمل علاقة مع فتاة، اعمل، هذا لا يؤذيني، ولهذا كنت ضد أن يفرضوا على الفتيات في الجامعات خلع النقاب، وكنت ضد ما فعلوه في فرنسا، رغم أنني لا أطيق النقاب، لأنه أشبه بالحديث مع شخص في غرفة مظلمة لا تدري ماذا تقول عيناه وملامح وجهه.

• لماذا برأيك صار الحجاب هو ميزان الوقار عند بعض المجتمعات، وصار خلعه معياراً لعدم الوقار؟
- لأننا مجتمعات شكلية، تأخذ بالشكل، ولأننا مجتمعات سماعية تأخذ بالسمع كما أوضحت، يقول لك نصر حامد أبوزيد ده كافر، الناس بتقول كده، طيب قرأت له؟ لأ، سمعت، إلحق الجزائر ضربت مصر، شفت؟
عرفت إزاي؟ عامله شعرها كيرلي وبتلبس زيهم....

- أنتِ شابة مصرية ونعرف أن مصر كانت رائدة الحريات، هل يعني لك شيئاً تاريخ نضال المرأة من أجل خلع الحجاب قبل قرن من الزمان؟
مش فاهمة السؤال، لكن الدائرة لفت تاني، كل النهضة اللي عملناها قبل سنين ضاعت، تاهت، ومحتاجين نعمل نهضة تاني، على كل المستويات، الآن علينا أن نناضل من أجل احترام المرأة، كان زمان عمرك ما تجد رجل يرفع صوته أو إيده على ست ميعرفهاش في الشارع حتى لو كانوا بيتخانقوا، كان يقولوا دي حرمة إزاي تعمل معاها كده، كان زمان يقف الراجل والست تقعد، دلوقتي لا الرجل يحترم المرأة، ولا المرأة تحترم الرجل، ولك في أغانينا ومسلسلاتنا خير دليل، بتقولك الست سميرة سعيد: عايز إيه مني، ابعد بقى عني، وشيرين: أخيرا اتجرأت: هعلي صوتي عليك، وأغاني تامر حسني وغيرهم.

الدين عندي معاملة يعني كيف تعامل الناس والوطن والعمل

ليست هناك تعليقات: