الثلاثاء، 28 أكتوبر 2008

إيمان القحطاني تكتب عن الإسلام - الحريات -






حفل التاريخ البشري بالحوادث الشنيعة والدموية، وليست قصة هابيل وقابيل ببعيدة عن أذهان أصحاب الأديان السماوية، حين يمتلئ قلبك بالحقد والكراهية فإنك ببساطة شديدة ستعمد إلى إزاحة عدوك المفترض عن طريقك!

كانت أوروبا في يوم من الأيام تغص بمرارة محاكم التفتيش الممتدة من القرون الوسطى حتى محاكم التفتيش الإسبانية والرومانية والبرتغالية ودفع الإنسان والفكر ثمنا باهظا لهذا الشكل الدوغمائي الديني، وبحسب مؤتمر عن محاكم التفتيش عقده الفاتيكان عام 2000 م و بحضور 30 مؤرخا فقد أحرقت محاكم التفتيش تحت ذريعة ممارسة السحر 59 امرأة في إسبانيا، 34 في ايطاليا، و4 في البرتغال، ويبدو أن تلك الأرقام جاءت كنوع من الاحتواء إزاء المطالبات المستمرة ليتقدم الفاتيكان باعتذار رسمي عن الفظاعات التي تمت باسمه في القرون الماضية إذ أن مؤلفا علميا ضخما للمؤرخ الراحل فيليب سكاف تحت عنوان (تاريخ الكنيسة المسيحية) جاء ليثبت في الفصل السابع من مجلده السادس أن عدد المتهمين بممارسة السحر والذين احرقوا او اغرقوا من قبل محاكم التفتيش كان حوالي 30 ألف رجل وامرأة !

عدا عن حرق مفكرين وباحثين كمايكل سيرفتوس، الذي احرق بعد ربط الكتاب الذي ألفه على ذراعه، و المحامي توماس مور الذي قطع رأسه وعلق على جسر لندن لشهر كامل. لم يكن ممارسي الشعوذة والمهرطقين كما تصفهم الكنسية الكاثوليكية الرومانية هم أعداءها فقط بل طالت أيضا اليهود والمسلمين الذين كانوا يعيشون في إسبانيا آنذاك، فقد خيروا خلال عامي 1502-1615 بين اعتناق المسيحية او نفيهم خارج البلاد! إلا أن أوروبا القرون الوسطى وما بعدها بعدة قرون تجاوزت تلك المرحلة لتستقر في حالة الإنسان الحر المدني.

إن المسلمون اليوم يعيشون أقسى أنواع الانحطاط الثقافي من ترد واضح في الفكر والعلوم والسياسة والحياة الاجتماعية، ويواجه الإنسان في عالمنا الشرق أوسطي أعنف المواجهات التي تتعلق بعلاقته بربه.
سيحاول المسلمون أن يقنعوك بالحسنى أن عقيدتك او مذهبك فاسدين فإن لم ترضخ لهم فالويل لك، ستضطهد وستلغى إنسانيتك وحقوقك وربما تواجه مصيرا محتوما وهو "الموت" في حال تغيير معتقدك الديني.

ولن يختلف مصيرك عن نهاية الحسين بن منصور الحلاج في العهد العباسي الذي حوكم بتهمة الزندقة وتم صلبه بعد أن تم قطع أطرافه ثم ضربت عنقه رغم دفاعه عن نفسه بقوله: "أتقتلون رجلا يقول: ربي الله".

لن يختلف العقلاء كثيرا على الفظاعات التي خلفها التاريخ الإنساني القديم من بربرية ووحشية، و لكنهم سيختلفون كثيرا في القرن الواحد وعشرين حول ممارسات لا تختلف بشاعة وبربرية عن تلك التي حدثت في القرون الوسطى، فنحن في عصر القانون العولمي أي أننا لا نعيش على هذا الكوكب من خلال منظومتنا الاجتماعية فقط بل هي منظومات مترابطة تتأثر ببعضها البعض بشكل مباشر.

فعلى سبيل المثال لا الحصر قرار مثل قرار الحكومة الماليزية الذي أصدرته قبل شهر لمنع صحيفة مسيحية "الويكلي هيرالد"، من استخدام كلمة (الله) عند الإشارة إلى الرب في الديانات الأخرى خلاف الإسلام، أثار المنظمات الانسانية والطائفة المسيحية ايضا التي اعتبرته تدخلا في ممارسة ديانتهم ما أدى إلى تراجع الحكومة عن قرارها. كنت قد كتبت سابقا عن قضية عبد الرحمن الأفغاني والذي اعتنق المسيحية عام 2006 م فقامت عائلته برفع قضية ضده فسجن وحكم عليه بالإعدام بتهمة الردة ولولا تدخل المنظمات الدولية لما خرج عبد الرحمن من السجن حرا، وللتملص من الحشد الجماهيري الغاضب ولحفظ ماء الوجه صرحت الحكومة الأفغانية بأن عبد الرحمن مضطرب عقليا رغم أن الرجل لم ينطق بعد خروجه إلا بحديث لا يصدر إلا عن شخص متعقل حيث قال بعد أن سئل عن ما إذا كان يمكن أن يسافر إلى الخارج "ربما ولكن إذا فررت فان ذلك يعني أن بلادي لم تتغير. سيعني ذلك أنهم فازوا.. أعداؤنا. فبدون حقوق الإنسان وبدون احترام لكل الديانات تكون طالبان فازت".

وتتكرر تلك المأساة مرة أخرى هذا العام حيث قضت محكمة في شمال أفغانستان بالإعدام على الصحافي الأفغاني برويز كمبخش والموقوف منذ أكتوبر، بتهمة "الإساءة إلى الإسلام"، وهذه المرة ليست بذريعة تحوله إلى ديانة أخرى بل جراء توزيعه لمقال على زملاءه في الجامعة اعتبرته المحكمة مهينا للإسلام، وأيضا تدخلت هذه المرة المنظمات العالمية ما أدى إلى تصريح وزارة الإعلام الأفغانية بتحركها في هذا الخصوص، إلا أنها أعلنت ايضا بحسب وكالة الأنباء الفرنسية:"على أن ليس لها صلاحيات للتدخل في تلك القضية" مع أننا نعلم أن العالم الإسلامي لا يتمتع بحق فصل السلطات الثلاث !.

من المعضلات التي يواجهها المسلمون اليوم هي عدم قدرتهم على استيعاب الاختلاف الديني أو المذهبي ورغم أن القرآن يعلنها صراحة في عدة مواضع على أن الإنسان حر في ما يعتنقه وما يعتقده ومن ذلك قوله: "لا إكراه في الدين"، وغيرها من الآيات العديدة إلا أن المسلمين مازالوا غير مقتنعين بما يؤكده القرآن، في تحد صارخ لفكرته الكونية التي نادت بضرورة حرية المعتقد، إذا هل نفهم من ذلك أن المسلمين غير مستعدين لتطبيق تلك الأفكار؟


كنت استمع لأحد المتظاهرين ضد إلاسلام في هولندا خلال تقرير تلفزيوني بثته إحدى القنوات الإخبارية الأكثر مشاهدة قال فيه "أن المشكلة ليست في المسلم بل هي في إلاسلام"، لذا يرى أن من تجب محاربته هو "الإسلام وليس المسلمين". تلك الرؤية لم تتشكل عبثا، فذلك الهولندي متأثر ربما باغتيال ابن وطنه المخرج ثيو فان جوخ الذي اخرج فلم الخضوع "والتي شاركت في إنتاجه الصومالية المثيرة للجدل إيان هيرسي" و ثيو قد قام بقتله مسلم بطعنة سكين ثم بطلقات نارية أثناء ركوبه دراجته في احد شوارع أمستردام احتجاجا على فكرة الفلم الذي يصور امرأة عارية كتبت على جسدها آيات قرآنية.

إذا كيف وصل ذلك الهولندي لتلك القناعة الخطيرة؟، لا بد أن هناك من ساهم في تشكيل تلك الرؤية في بلد لم يكن يتعرض فيه مليون مسلم لأي نوع من المضايقات إلا بعد حادثة 11 سبتمبر وتنامي شكل من أشكال العداء العلني للإسلام، فعدا عن كون هولندا وغيرها من الدول الأوروبية تعيش تحت وطأة التهديد القاعدي إلا أن هناك أسبابا أخرى ساهمت في تنامي هذا العداء حيث يمارس بعض أئمة المساجد نوعا من الخطاب التحريضي اللاعقلاني تجاه الآخر، ليزيد بذلك من حدة هذه الهوة السحيقة بدلا من الرفع من قيمة التعايش وإيراد أمثلة عن تعايش النبي محمد مع اليهود في المدينة المنورة إلا أن إماما متشددا يفضل أن يتحدث مثلا عن المؤامرات التي كانت تحاك ضد الرسول من جيرانه اليهود!

إذا الجوهر يكمن في فحوى الخطاب المقدم، فلا نستبعد أن يكون ذلك الشاب المغربي الأصل الهولندي الجنسية ذو الـ26 عاما قد خرج لتوه من احد تلك المساجد مشحونا بطاقة الكراهية وأهمية إزاحة عدوه اللدود من على وجه البسيطة! و نأتي بعد ذلك لنحتج على القوانين الجديدة التي تحد من الهجرة إلى الدول الغربية. هناك عامل يكاد يكون لصيقا بالخطاب المساجدي وهو الإعلام الخطابي التقليدي، ومن ذلك تصعيد تلك القضايا في ذهن الشارع الإسلامي سواء المقيم او المهجري بحيث يمنحه عن طريق الإيحاء المباشر بأنه مستهدف وان من حقه أن يعبر عن غضبه برد فعل خارج عن المألوف كون دينه يتعرض لهذا النوع من المهانة المستمرة، ومثالا على ذلك سؤال طرحه مذيع تلك القناة على ضيفه البريطاني حول ما الهدف من هذه المظاهرة ضد الإسلام مختصرا سؤاله الأخير بقول "ولم الاستفزاز؟" ربما يأتي من يقول أن السؤال شرعي في ذاته إلا أن هذا النوع من الأسئلة الشعبوية هي من ساهم في حالة الشحن من حيث طرح أسئلة ذات قوالب جاهزة الإجابة في ذهن المتلقي: "إذا من حقي أن اغضب وأثور"، أو "نعم أنا مستفز ومستهدف فلا يلومني احد على أي حماقة قد ارتكبها!".

الإعلام والمسجد عاملين مهمين ولكنني لن أغفل عن عامل آخر لا يقل أهمية بل ربما هو العامل الأهم وهو التعليم الذي يتلقاه المسلمون في دول العالم الثالث والذي سأختصره في جملة واحدة: "التعليم الذي يحرض على العداء التاريخي مع الآخر المختلف عن المتلقي وبالتالي لا يركز على التنمية الفكرية التي تهيئ الفرد على التعاطي مع الاختلاف بشكل عقلاني لا عاطفي تهييجي".

وربما لن استفيض في هذا العامل الذي اعتقد انه الأكثر أهمية كونه يحتاج إلى مبحث بحد ذاته !

منذ فترة بسيطة خرج لنا الأزهر بفتوى رسمية بناء على طلب قضائي مصري، تطالب فيها بمعاقبة من يشهر إسلامه لأغراض شخصية؛ كالزواج والطلاق مثلا، ورغم ما توحي به تلك الفتوى السياسية من بعد ديني تنظيمي إلا أنها تحمل في طياتها سياط اغتصاب حق الآخر في اعتناق الديانة التي يشاء، وربما ظن المتلقي أنها لدرء المشكلات التي ظهرت مؤخرا جراء إشهار بعض الأقباط لإسلامهم إلا أنها فيما يبدو جاءت لمنع هذا النوع من الإشهار وإخلاء مسؤوليتها الدينية من السخط الشعبي من الطرفين القبطي والمسلم وهو دور من المفترض أن لا تمارسه المؤسسة الرسمية في مصر إلا أننا نرى في هذا الزمان أن المؤسسات الرسمية الدينية انحرفت عن عملها الأساس إلى قضايا سياسية لا علاقة لها بالدين لا من قريب او بعيد، و هي إحدى المشكلات التي ساهمت في انتشار هذا التأزم الحاد إزاء من يطلق عليهم المرتدين حتى أن والد الشاب المصري احمد حجازي والذي اعتنق المسيحية أعلن عن نيته إهدار دم ابنه إن هو لم يرجع عن قراره
ومن المثير للسخرية أن الايرلندي المسلم شون ردموند والذي ظهر في لقاء مع تركي الدخيل في برنامجه إضاءات رد قائلا حين سأله الدخيل عن رد فعل والده إزاء إسلامه قائلا: "لو أنت تحس أنك تعبد الله كمسلم أحسن من المسيحية أسلم بس لا تخفي عليّ، كون صريح معي وخلاص. إن أحد تكلم عنك يقلب وجهه ويطق رأسه بالجدار. هذا كان رد فعله. ما كان يحب يسمع ولا واحد يتكلم علي. هذا أسلم وهذا قراره ما عندنا مشكلة معاه وخلاص".


رد فعل والدا أحمد و شون يشكلان ذلك الاستيعاب الذي تحدثت عنه سابقا، فوالد شون لم يجد حرجا في أن يعلن ترحيبه التام بتحول ولده عن المسيحية إلى الإسلام أما والد أحمد فأعلن عن عزمه إهدار دم ابنه إن لم يرتد عن مسيحيته، إذا كما نتعاطى نحن مع قضايانا بهذا الشكل اللاحضاري المغيب عن مفاهيم حرية المعتقد التي اقرها القرآن في عشرات الآيات عدا عن أن القرآن لم يأتي على ذكر آية واحدة تبيح هدر دم المرتد ولم تحدث أي حالة قتل لمرتد في حياة النبي محمد، فهي إذا ليست قضية استفزاز او نحو ذلك إنما هي قضية استيعاب لفكرة الحرية الدينية. ولا أجد حرجا في إعلان دهشتي من إصرار المسلمين على تأجيج فكرة إلزام الآخرين على احترام دينهم دون أن يحترموه هم أولا، فالمسلمون هم المسئولون عن حالة التشويه التي طالت إلاسلام وهم المسئولون ايضا عن حالة الاستفزاز المزعومة.

يجب أن يتوقف المسلمون عن محاولة إقناع العالم الغربي بالتوقف عن إبداء آرائهم تجاه ما يطرحونه من ممارسات دينية لأنهم هنا لا يتحدثون مع عقل جامد بل هو عقل تشكل عبر قرون دموية ليصل إلى العقل الجدلي الحر الذي لن يقبل يوما بالمساومة على حريته من اجل إرضاء احد!

فهل يفهم المسلمون ذلك وهل سيتبعون القرآن كما هو أم سيستمرون في إتباع التفسيرات البشرية

***********************

الكاتبة والصحافية إيمان القحطاني من أبرز الصحافيات السعوديات الناشطات في مجال حقوق المرأة السعودية، على الرغم مما أورثها ذلك من هجوم منقطع النظير من قبل تيارات محلية محافظة، وكل ذلك دون أن يجعلها تتراجع عن أفكارها الداعية إلى إعطاء نصيب أكبر للمرأة السعودي في ظل خطوات الإصلاح التي تقوم بها الحكومة السعودية مؤخرا..


http://www.alarabiya.net/views/2008/01/31/44970.html

.

ليست هناك تعليقات: